أثر النقاء في رحلة العمر
بقلم/ناصرمضحي الحربي
قيل للسعادة: متى تسكنين القلب؟
قالت: إذا توقف عن اجترار الأمس، ولم يضطرب من الغد، واطمأنّ بما كتبه الله له.
تأملتُ هذا الجواب، فوجدت أن سرّ الطمأنينة ليس في وفرة المال، ولا في كثرة الأصحاب، ولا في اتساع الدنيا أمامنا، وإنما في الرضا. فالرضا هو تلك الأرض التي يهبط عليها القلب فيستريح، بعد أن يرهقه التيه بين ماضٍ لا يعود ومستقبل لا يُدرك
في الشدّة يُقاس الصبر، فمن ضاق صدره سقط، ومن تسلح باليقين ثبت وأضاء.
وفي النقاش يُقاس العقل، فالمجادلات ليست ميداناً للانتصار على الآخرين، بل ساحة لإثبات سموّ الفكرة ورجاحة الحجة.
وفي المواقف يُقاس البشر، فكم من إنسان يختفي خلف الشعارات، فإذا جدّ الجد ظهرت حقيقته.
إن أجمل ما يتزيّن به المرء أن يعيش بقلب نقيّ، لا يظلم أحداً مهما اختلف معه، ولا يجرح أحداً مهما اشتد الخصام، ولا يرى نفسه فوق أحد مهما علت منزلته.
فالنفوس الكبيرة تعرف أن الكرامة لا تُصان بإهانة الآخرين، وأن القوة الحقيقية ليست في البطش ولا في الصوت المرتفع، بل في اللين الذي يملك أن يحكم انفعاله، وفي الحلم الذي يكبح الغضب، وفي الرحمة التي تفيض بلا حساب.
هنيئاً لمن جعل رضاه بالله زاده، وصبره على البلاء سلاحه، وحسن ظنه بالناس عنوانه.
فهؤلاء هم السعداء حقاً، الذين إن مشوا على الأرض تركوا أثراً جميلاً، وإن غابوا ظلّت سيرتهم تضيء الطريق